فصل: صحّة الحديث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


صُحْبَة

التّعريف

1 - الصّحبة في اللّغة‏:‏ الملازمة والمرافقة، والمعاشرة‏.‏ يقال‏:‏ صحبه يصحبه صحبةً، وصحابةً بالفتح وبالكسر‏:‏ عاشره ورافقه، ولازمه‏.‏

وفي حديث قيلة‏:‏ خرجت أبتغي الصّحابة إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

هذا مطلق الصّحبة لغةً‏.‏ أمّا في الاصطلاح‏:‏ فإذا أطلقوا الصّحبة، فالمراد بها صحبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّفقة‏:‏

2 - الرّفقة في اللّغة‏:‏ مطلق الصّحبة في السّفر أو غيره، يقال‏:‏ رافق الرّجل صاحبه‏:‏ وقيل في السّفر خاصّةً فهي أخصّ من الصّحبة‏.‏

ب - الصّداقة‏:‏

3 - الصّداقة، والمصادقة‏:‏ المخالّة‏:‏ بمعنىً واحد، يقال‏:‏ صادقته مصادقةً وصداقةً‏:‏ خاللته، والصّداقة أخصّ من الصّحبة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالصّحبة

ما تثبت به الصّحبة

4 - اختلف أهل العلم فيما تثبت به الصّحبة، وفي مستحقّ اسم الصّحبة‏.‏

قال بعضهم‏:‏ إنّ الصّحابيّ من لقي النّبيّ صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام وقال ابن حجر العسقلانيّ‏:‏ هذا أصحّ ما وقفت عليه في ذلك‏.‏ فيدخل فيمن لقيه‏:‏ من طالت مجالسته له، ومن قصرت، ومن روى عنه، ومن لم يرو عنه، ومن غزا معه، ومن لم يغز معه، ومن رآه رؤيةً ولو من بعيد، ومن لم يره لعارض، كالعمى‏.‏

ويخرج بقيد الإيمان‏:‏ من لقيه كافراً وإن أسلم فيما بعد، إن لم يجتمع به مرّةً أخرى بعد الإيمان، كما يخرج بقيد الموت على الإيمان‏:‏ من ارتدّ عن الإسلام بعد صحبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومات على الرّدّة فلا يعدّ صحابيّاً‏.‏

وهل يشترط التّمييز عند الرّؤية‏؟‏ منهم من اشترط ذلك ومنهم من لم يشترط ذلك‏.‏

قال ابن حجر في فتح الباري‏:‏ بعد أن توقّف في ذلك ‏"‏ وعمل من صنّف في الصّحابة يدلّ على الثّاني ‏"‏ أي‏:‏ عدم اشتراط التّمييز‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لا يستحقّ اسم الصّحبة، ولا يعدّ في الصّحابة إلاّ من أقام مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم سنةً فصاعداً، أو غزا معه غزوةً فصاعداً، حكي هذا عن سعيد بن المسيّب، وقال ابن الصّلاح‏:‏ هذا إن صحّ‏:‏ طريقة الأصوليّين‏.‏

وقيل‏:‏ يشترط في صحّة الصّحبة‏:‏ طول الاجتماع والرّواية عنه معاً، وقيل‏:‏ يشترط أحدهما، وقيل‏:‏ يشترط الغزو معه، أو مضيّ سنة على الاجتماع، وقال أصحاب هذا القول‏:‏ لأنّ لصحبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم شرفاً عظيماً لا ينال إلاّ باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشّخص، كالغزو المشتمل على السّفر الّذي هو قطعة من العذاب، والسّنة المشتملة على الفصول الأربعة الّتي يختلف فيها المزاج‏.‏

طرق إثبات الصّحبة

5 - الصّحبة تثبت بطرق‏:‏ منها‏:‏

أ - التّواتر بأنّه صحابيّ‏.‏

ب - ثمّ الاستفاضة، والشّهرة، القاصرة عن التّواتر‏.‏

ج - ثمّ بأن يروى عن أحد من الصّحابة أنّ فلاناً له صحبة، أو عن أحد التّابعين بناءً على قبول التّزكية عن واحد‏.‏

د - ثمّ بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة‏:‏ أنا صحابيّ، أمّا الشّرط الأوّل‏:‏ وهو العدالة فجزم به الآمديّ وغيره، لأنّ قوله‏:‏ أنا صحابيّ، قبل ثبوت عدالته يلزم من قبول قوله‏:‏ إثبات عدالته، لأنّ الصّحابة كلّهم عدول فيصير بمنزلة قول القائل‏:‏ أنا عدل، وذلك لا يقبل‏.‏ وأمّا الشّرط الثّاني‏:‏ وهو المعاصرة فيعتبر بمضيّ مائة سنة وعشر سنين من هجرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره لأصحابه‏:‏ » أرأيتكم ليلتكم هذه‏؟‏ فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممّن هو على ظهر الأرض أحد «‏.‏

وزاد مسلم من حديث جابر‏:‏ » أنّ ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر «‏.‏

عدالة من ثبتت صحبته

6 - اتّفق أهل السّنّة‏:‏ على أنّ جميع الصّحابة عدول، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة‏.‏

وهذه الخصّيصة للصّحابة بأسرهم، ولا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدّلين بتعديل اللّه لهم وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم بنصوص القرآن، قال تعالى‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏}‏ الآية‏.‏

قيل‏:‏ اتّفق المفسّرون على أنّ الآية واردة في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال عزّ من قائل‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ‏}‏ الآية‏.‏

وفي نصوص السّنّة الشّاهدة بذلك كثرة، منها حديث‏:‏ أبي سعيد المتّفق على صحّته‏:‏ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا تسبّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم، ولا نصيفه «‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » اللّه، اللّه في أصحابي لا تتّخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد أذاني، ومن أذاني فقد أذى اللّه، ومن آذى اللّه فيوشك أن يأخذه «‏.‏

قال ابن الصّلاح‏:‏ ثمّ إنّ الأمّة مجمعة على تعديل جميع الصّحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الّذين يعتدّ بهم في الإجماع، إحساناً للظّنّ بهم، ونظراً إلى ما تمهّد لهم من المآثر، وكأنّ اللّه سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشّريعة‏.‏

وجميع ما ذكرنا يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاجون مع تعديل اللّه ورسوله لهم إلى تعديل أحد من النّاس، ونقل ابن حجر عن الخطيب في ‏"‏ الكفاية ‏"‏ أنّه لو لم يرد من اللّه ورسوله فيهم شيء ممّا ذكرناه لأوجبت الحال الّتي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء، والأبناء، والمناصحة في الدّين، وقوّة الإيمان واليقين‏:‏ القطع بتعديلهم، والاعتقاد بنزاهتهم، وأنّهم كافّةً أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدّلين الّذين يجيئون من بعدهم، ثمّ قال‏:‏ هذا مذهب كافّة العلماء، ومن يعتمد قوله، وروى بسنده إلى أبي زرعة الرّازيّ قال‏:‏ ‏"‏ إذا رأيت الرّجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاعلم أنّه زنديق ‏"‏، ذلك أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم حقّ، والقرآن حقّ، وما جاء به حقّ، وإنّما أدّى إلينا ذلك كلّه الصّحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرّحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسّنّة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة‏.‏

إنكار صحبة من ثبتت صحبته بنصّ القرآن

7 - اتّفق الفقهاء على تكفير من أنكر صحبة أبي بكر - رضي الله عنه - لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ لما فيه من تكذيب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا‏}‏‏.‏

واختلفوا في تكفير من أنكر صحبة غيره من الخلفاء الرّاشدين، كعمر، وعثمان، وعليّ - رضي الله عنهم - فنصّ الشّافعيّة‏:‏ على أنّ من أنكر صحبة سائر الصّحابة غير أبي بكر لا يكفر بهذا الإنكار‏.‏

وهو مفهوم مذهب المالكيّة، وهو مقتضى قول الحنفيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يكفر لتكذيبه النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولأنّه يعرفها العامّ، والخاصّ، وانعقد الإجماع على ذلك، فنافي صحبة أحدهم، أو كلّهم مكذّب للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

سبّ الصّحابة

8 - من سبّ الصّحابة، أو واحداً منهم، فإن نسب إليهم ما لا يقدح في عدالتهم، أو في دينهم بأن يصف بعضهم ببخل، أو جبن، أو قلّة علم، أو عدم الزّهد، ونحو ذلك، فلا يكفر باتّفاق الفقهاء، ولكنّه يستحقّ التّأديب‏.‏

أمّا إن رماهم بما يقدح في دينهم أو عدالتهم كقذفهم‏:‏ فقد اتّفق الفقهاء على تكفير من قذف الصّدّيقة بنت الصّدّيق‏:‏ عائشة - رضي الله عنهما - زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم بما برّأها اللّه منه، لأنّه مكذّب لنصّ القرآن‏.‏

أمّا بقيّة الصّحابة فقد اختلفوا في تكفير من سبّهم، فقال الجمهور‏:‏ لا يكفر بسبّ أحد الصّحابة، ولو عائشة بغير ما برّأها اللّه منه ويكفر بتكفير جميع الصّحابة أو القول بأنّ الصّحابة ارتدّوا جميعاً بعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أو أنّهم فسقوا، لأنّ ذلك تكذيب لما نصّ عليه القرآن في غير موضع من الرّضا عنهم، والثّناء عليهم، وأنّ مضمون هذه المقالة‏:‏ أنّ نقلة الكتاب، والسّنّة كفّار، أو فسقة، وأنّ هذه الأمّة الّتي هي خير أمّة أخرجت، وخيرها القرن الأوّل كان عامّتهم كفّاراً، أو فسّاقاً، ومضمون هذا‏:‏ أنّ هذه الأمّة شرّ الأمم، وأنّ سابقيها هم أشرارها، وكفر من يقول هذا ممّا علم من الدّين بالضّرورة‏.‏

وجاء في فتاوى قاضيخان‏:‏ يجب إكفار من كفّر عثمان، أو عليّاً، أو طلحة، أو عائشة، وكذا من يسبّ الشّيخين أو يلعنهما‏.‏

صِحّة

التّعريف

1 - الصّحّة في اللّغة‏:‏ والصّحّ والصّحاح ضدّ السّقم، وهي أيضاً‏:‏ ذهاب المرض‏.‏

والصّحّة في البدن‏:‏ حالة طبيعيّة تجري أفعاله معها على المجرى الطّبيعيّ، وقد استعيرت الصّحّة للمعاني فقيل‏:‏ صحّت الصّلاة إذا أسقطت القضاء، وصحّ العقد إذا ترتّب عليه أثره، وصحّ القول إذا طابق الواقع، والصّحيح الحقّ‏:‏ وهو خلاف الباطل‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ الصّحّة عند الأصوليّين من أقسام الحكم الوضعيّ‏.‏

‏(‏ر‏:‏ مصطلح حكم ف 4‏)‏‏.‏

واختلف الأصوليّون في تعريف الصّحّة‏:‏

فذهب الجمهور إلى أنّ الصّحّة عبارة عمّا وافق الشّرع وجب القضاء أو لم يجب، ويشمل عندهم العبادات والعقود‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ الصّحّة في العبادات‏:‏ اندفاع وجوب القضاء‏.‏

ففي تعريف الحنفيّة زيادة قيد، إذ هي عندهم‏:‏ موافقة أمر الشّارع على وجه يندفع به القضاء‏.‏ وفي المعاملات ترتّب أثرها وهو ما شرعت من أجله، كحلّ الانتفاع في عقد البيع، والاستمتاع في عقد النّكاح‏.‏

وتظهر ثمرة الخلاف بين التّعريفين فيمن صلّى ظانّاً أنّه متطهّر، ثمّ تبيّن أنّه محدث، فتكون صلاته صحيحةً عند الجمهور، لأنّه وافق الأمر المتوجّه عليه في الحال، وأمّا القضاء فوجوبه بأمر متجدّد، فلا يشتقّ منه اسم الصّحّة وتكون هذه الصّلاة غير صحيحة عند الحنفيّة لعدم اندفاع القضاء‏.‏

ووجه قولهم إنّ الصّحّة لا تتحقّق إلاّ بتحقيق المقصود الدّنيويّ من التّكليف وهو في العبادات تفريغ الذّمّة، وفي المعاملات بتحقيق الأغراض المترتّبة على العقود، والفسوخ، كملك الرّقبة في البيع، وملك المتعة في النّكاح، وملك المنفعة في الإجارة، والبينونة في الطّلاق‏.‏

وما لم يوصل إلى المقاصد الدّنيويّة يسمّى بطلاناً وفساداً‏.‏

وعند الفقهاء‏:‏ الصّحيح في العبادات والمعاملات ما اجتمع أركانه وشرائطه حتّى يكون معتبراً في حقّ الحكم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإجزاء‏:‏

2 - الإجزاء لغةً الكفاية والإغناء‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ موافقة أمر الشّارع بأن يكون الفعل مستجمعاً ما يتوقّف عليه من الشّروط عند الجمهور، وزاد الحنفيّة أن يندفع بفعله القضاء، فالصّحّة والإجزاء مترادفان في الاستعمال، إلاّ أنّ الإجزاء أثر من آثار الصّحّة‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إجزاء ف 1،2‏)‏‏.‏

ب - البطلان‏:‏

3 - البطلان لغةً الضّياع والخسران‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ يختلف تعريف البطلان تبعاً للعبادات والمعاملات‏.‏

فالبطلان في العبادات عدم اعتبار العبادة حتّى كأنّها لم تكن، كما لو صلّى من غير وضوء‏.‏ والبطلان في المعاملات عند الحنفيّة أن تقع المعاملة على وجه غير مشروع بأصله ولا بوصفه‏.‏ وعند الجمهور‏:‏ البطلان هو الفساد بمعنى أن تقع المعاملة على وجه غير مشروع بأصله أو بوصفه أو بهما‏.‏

‏(‏ر‏:‏ مصطلح بطلان ف 1‏)‏‏.‏

ج - الأداء‏:‏

4 - الأداء لغةً‏:‏ الإيصال‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ فعل بعض - وقيل كلّ - ما دخل وقته قبل خروجه، واجباً كان أو مندوباً‏.‏

د - القضاء‏:‏

5 - القضاء لغةً‏:‏ الأداء‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ ما فعل بعد خروج وقت أدائه استدراكاً لما سبق لفعله مقتض‏.‏

‏(‏ر‏:‏ مصطلح أداء ف 1‏)‏‏.‏

والصّلة بين كلّ من الأداء والقضاء وبين الصّحّة، أنّهما يأتيان وصفاً للصّحّة‏.‏

ما يتعلّق بالصّحّة من أحكام

6 - أهليّة الإنسان لأداء التّكاليف الشّرعيّة تتعلّق بقدرتين‏:‏ قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل، وقدرة العمل به وهي بالبدن‏.‏

ولقد اعتبر المرض من عوارض الأهليّة، لأنّ له أثراً في نقص التّكليف وعدم تمامه، لأنّ المريض يترخّص برخص كثيرة شرعت للتّخفيف عنه، كما يكون المرض في بعض الأحوال سبباً للحجر على المريض مرض الموت‏.‏

‏(‏ر‏:‏ أهليّة ف 9 و ف 13‏)‏‏.‏

فإذا كان الإنسان صحيح البدن توجّه إليه التّكليف كاملاً لتحقّق قدرته عليه، وقد ذكر الفقهاء جملةً من الأحكام يشترط فيها صحّة البدن منها‏:‏

أ - يشترط في إمام الصّلاة إذا كان يؤمّ الأصحّاء أن يكون سالماً من الأعذار، كسلس البول، وانفلات الرّيح، والجرح السّائل، والرّعاف‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إمامة الصّلاة ف 10‏)‏‏.‏

ب - ويشترط لوجوب الجهاد السّلامة من الضّرر، فلا يجب الجهاد على العاجز غير المستطيع لأنّ العجز ينفي الوجوب، والمستطيع‏:‏ هو الصّحيح في بدنه من المرض‏.‏

‏(‏ر‏:‏ جهاد ف 21‏)‏‏.‏

ج - واتّفق الفقهاء على أنّه يشترط فيمن يتولّى الإمامة الكبرى أن يكون سليم الحواسّ والأعضاء ممّا يمنع استيفاء الحركة للنّهوض بمهامّ الإمامة‏.‏

‏(‏الإمامة الكبرى ف 10‏)‏‏.‏

د - ومن شروط وجوب الحجّ‏:‏ الاستطاعة، ومنها صحّة البدن، وسلامته من الأمراض والعاهات الّتي تعوق عن الحجّ‏.‏

‏(‏ر‏:‏ حجّ ف 19‏)‏‏.‏

هـ – لا تشترط صحّة البدن في إقامة حدّ الرّجم، أو القصاص، لأنّ نفسه مستوفاة فلا فرق بين الصّحيح وبين المريض‏.‏

أمّا الجلد فإن كان المرض ممّا يرجى برؤه فالجمهور على تأخير إقامة الحدّ، والحنابلة على عدم التّأخير‏.‏ أمّا إن كان ممّا لا يرجى برؤه، أو كان الجاني ضعيف الخلقة لا يحتمل السّياط، فيقام عليه الحدّ في الحال إذ لا غاية تنتظر، ويشترط أن يضرب ضرباً يؤمن معه التّلف‏.‏

‏(‏ر‏:‏ حدود ف 14‏)‏‏.‏

و - لا يجوز للصّحيح أن يترخّص برخص المريض، لأنّها رخصة ثبتت تخفيفاً عن المريض لعذر المرض فتقتصر عليه‏.‏

‏(‏ر‏:‏ رخصة ف 15، 16‏)‏‏.‏

صحّة الحديث

7 - عرّف المحدّثون الحديث الصّحيح بأنّه‏:‏ ما اتّصل سنده بنقل الثّقة - وهو العدل الضّابط عن مثله - من غير شذوذ ولا علّة‏.‏

فيشترطون في صحّة الحديث خمسة شروط‏:‏

الأوّل‏:‏ اتّصال السّند، فخرج الحديث المنقطع، والمعضل، والمعلّق، والمدلّس، والمرسل‏.‏ الثّاني‏:‏ عدالة الرّواة، فخرج به رواية مجهول الحال، أو العين أو المعروف بالضّعف‏.‏

الثّالث‏:‏ ضبط الرّواة، وخرج به المغفّل كثير الخطأ‏.‏

الرّابع‏:‏ السّلامة من الشّذوذ، وخرج به الحديث الشّاذّ‏.‏

الخامس‏:‏ السّلامة من العلّة القادحة، وخرج به الحديث المعلّ‏.‏

وخالف في هذا الفقهاء والأصوليّون، فمدار الحديث الصّحيح عندهم على عدالة الرّواة‏.‏ والعدالة عندهم‏:‏ هي المشترطة في قبول الشّهادة على ما هو مقرّر في الفقه‏.‏

كما كان لهم نظر في اشتراط السّلامة من الشّذوذ والعلّة، فإنّ كثيراً من العلل الّتي يعلّل بها المحدّثون الحديث، لا تجري على أصول الفقهاء‏.‏

من ذلك‏:‏ أنّه إذا أثبت الرّاوي عن شيخه شيئاً فنفاه من هو أحفظ، أو أكثر عدداً، أو أكثر ملازمةً منه‏.‏ فإنّ الأصوليّين يقدّمون رواية المثبت على النّافي ويقبلون الحديث‏.‏

أمّا المحدّثون فيسمّونه شاذّاً، لأنّ الشّذوذ عندهم‏:‏ ما يخالف فيه الرّاوي في روايته من هو أرجح منه عند تعذّر الجمع بين الرّوايتين‏.‏

ومن ذلك‏:‏ أنّ بعض الفقهاء قبل الحديث المرسل، الّذي يقول فيه التّابعيّ‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا‏.‏

وردّ المحدّثون المرسل للجهل بحال المحذوف، لأنّه يحتمل أن يكون صحابيّاً، أو تابعيّاً، ولا حجّة في المجهول‏.‏

صَحِيح

انظر‏:‏ صحّة

صَدَاق

انظر‏:‏ مهر

صَدَاقة

التّعريف‏:‏

1 - الصّداقة في اللّغة‏:‏ مشتقّة من الصّدق في الودّ والنّصح، يقال‏:‏ صادقته مصادقةً وصداقاً، والاسم الصّداقة أي‏:‏ خاللته‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ اتّفاق الضّمائر على المودّة، فإذا أضمر كلّ واحد من الرّجلين مودّة صاحبه فصار باطنه فيها كظاهره سمّيا صديقين‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّحبة‏:‏

2 - الصّحبة هي في اللّغة‏:‏ العشرة الطّويلة‏.‏

ب - الرّفقة‏:‏

3 - الرّفقة هي‏:‏ الصّحبة في السّفر خاصّةً

الأحكام المتعلّقة بالصّداقة

التّرغيب في الصّداقة

4 - رغّبت الشّريعة في الصّداقة بين المسلمين، وعبّرت عنها في الغالب بالأخوّة في اللّه قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ صَدِيقِكُمْ‏}‏‏.‏

وجاء في الأثر‏:‏ ‏"‏ المرء كثير بأخيه ‏"‏‏.‏

الأكل في بيت الصديق

5 – صرّح الشافعيّة‏:‏ أنّ للصَديق الأكل في بيتِ صديقِه وبستانِه، ونحوهما في حالِ غيبَتِه،إذا علِم من حاله انّه لا يكرهُ ذلك منه‏.‏

وقال الزّمخشريُ‏:‏ يُحكى عن الحسنِ البصريّ أنّه دخلَ دارهُ فإذا فيها حلقةٌ من أصدقائهِ، وقد استلّوا سلالاً من تحتِ سريره فيها أطايبَ الأطعمَة، وهم مكبّون عليها يأكلونَ مِنها، فتَهَللت أساريرُ وجهِه سروراً، وَضحكَ يقولُ‏:‏ هكذا وجَدناهُم، يريدُ أكابرَ الصّحابةِ ومَن لَقِيَهم مِنَ البَدريينَ‏.‏

وقالَ الماورديّ‏:‏ في جوازِ ذلك قَولانِ للعُلماءِ‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّ الصّديقَ يأكلُ مِن منزلِ صَديقه فِي الوليمَةِ بلا دعوةٍ دونَ غَيرها‏.‏

والثّانِي‏:‏ أنّه يأكلُ فِي الوليمَةِ وغَيرها، إذا كانَ الطّعامُ حاضراً غيرَ مُحرَزٍ، ثُمّ اختلفُوا فِي نسخِ ما تقدّم بعدَ ثبوتِ حُكمهِ على قَولَين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّه على ثبوتِه لَم يُنسَخ شَيءٌ منهُ، وبهِ قالَ قتَادَة‏.‏

والقَولُ الثّانِي‏:‏ أنّه مَنسوخٌ بقولهِ‏:‏ ‏{‏لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ‏}‏ الآية، وقَولِ النّبيّ صَلى اللهُ عليه وسلّم‏:‏ » لا يحل مالُ امرِئ مسلمٍ إلا بطيبِ نَفسٍ مِنهُ «‏.‏

وجاءَ فِي تَفسيرِ قولهِ تَعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ صَدِيقِكُمْ‏}‏ أنّه إذا دَلّ ظاهرُ الحالِ على رِضا المالكِ قامَ ذلك مقامَ الإذنِ الصّريحِ‏.‏

شهادة الصّديق لصديقه

6 - تقبل شهادة الصّديق لصديقه في قول عامّة العلماء‏.‏

إلاّ أنّ الحنفيّة والمالكيّة قالوا‏:‏ يشترط لقبول شهادة الصّديق لصديقه‏:‏ ألاّ تكون الصّداقة بينهما متناهيةً، بحيث يتصرّف كلّ منهما في مال الآخر، وأن يبرز في العدالة، وزاد المالكيّة‏:‏ اشتراط ألاّ يكون في عياله، يأكل معهم ويسكن عندهم كأنّه من أفرادهم‏.‏

‏(‏ر‏:‏ مصطلح شهادة‏)‏‏.‏

صَدَقة

التّعريف

1 - الصّدقة بفتح الدّال لغةً‏:‏ ما يعطى على وجه التّقرّب إلى اللّه تعالى لا على وجه المكرمة‏.‏ ويشمل هذا المعنى الزّكاة وصدقة التّطوّع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ تمليك في الحياة بغير عوض على وجه القربة إلى اللّه تعالى، وهي تستعمل بالمعنى اللّغويّ الشّامل، فيقال للزّكاة‏:‏ صدقة، كما ورد في القرآن الكريم‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ‏}‏ الآية‏.‏

ويقال للتّطوّع‏:‏ صدقة كما ورد في كلام الفقهاء وتحلّ لغنيّ، أي صدقة التّطوّع‏.‏

يقول الرّاغب الأصفهانيّ‏:‏ الصّدقة‏:‏ ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزّكاة‏.‏ لكنّ الصّدقة في الأصل تقال‏:‏ للمتطوّع به، والزّكاة تقال‏:‏ للواجب‏.‏

والغالب عند الفقهاء‏:‏ استعمال هذه الكلمة في صدقة التّطوّع خاصّةً‏.‏

يقول الشّربينيّ‏:‏ صدقة التّطوّع هي المرادة عند الإطلاق غالباً ويفهم هذا من كلام سائر الفقهاء أيضاً، يقول الحطّاب‏:‏ الهبة إن تمحّضت لثواب الآخرة فهي الصّدقة، ومثله ما قاله البعليّ الحنبليّ في المطلع على أبواب المقنع‏.‏

وفي وجه تسميتها صدقةً يقول القليوبيّ‏:‏ سمّيت بذلك لإشعارها بصدق نيّة باذلها، وهذا المعنى الأخير أي صدقة التّطوّع هو المقصود في هذا البحث عند الإطلاق‏.‏

2 - وقد تطلق الصّدقة على الوقف، ومن ذلك ما رواه البخاريّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما‏:‏ من حديث طويل أنّ عمر تصدّق بمال له على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان يقال له‏:‏ ثمغ‏.‏‏.‏‏.‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » تصدّق بأصله، لا يباع ولا يوهب، ولا يورث، ولكن ينفق ثمره «‏.‏

3 - وقد تطلق الصّدقة‏:‏ على كلّ نوع من المعروف، ومن ذلك قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » كلّ معروف صدقة «‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الهبة، الهديّة، العطيّة‏:‏

4 - الهبة، والهديّة، والعطيّة، كلّ منها تمليك بلا عوض، إلاّ أنّه إذا كان هذا التّمليك لثواب الآخرة فصدقة، وإذا كان للمواصلة والوداد فهبة، وإن قصد به الإكرام فهديّة‏.‏ فكلّ واحد من هذه الألفاظ قسيم للآخر‏.‏ والعطيّة شاملة للجميع‏.‏

ب - العاريّة‏:‏

5 - العاريّة‏:‏ إباحة أو تمليك منفعة عين مع بقاء العين لصاحبها بشروط مخصوصة‏.‏

وعلى هذا فكلّ من الصّدقة والعاريّة تبرّع لكنّ الصّدقة تمليك عين، والعاريّة إباحة أو تمليك منفعة، على خلاف وتفصيل عند الفقهاء، والصّدقة يمتنع الرّجوع فيها‏.‏ كما سيأتي‏.‏ والعاريّة لا بدّ فيها من ردّ العين لمالكها بعد استيفاء منافعها، كما هو مفصّل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إعارة‏)‏‏.‏

حكمة مشروعيّة الصّدقة وفضلها

6 - إنّ أداء الصّدقة من باب إعانة الضّعيف، وإغاثة اللّهيف، وإقدار العاجز، وتقويته على أداء ما افترض اللّه عليه من التّوحيد والعبادات‏.‏

والصّدقة شكر للّه تعالى على نعمه، وهي دليل لصحّة إيمان مؤدّيها وتصديقه، ولهذا سمّيت صدقةً‏.‏

وقد ورد في فضل الصّدقة أحاديث منها‏:‏

أ - ما رواه أبو هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه‏.‏‏.‏ « فذكر منهم‏:‏ » رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه « ب - ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما تصدّق أحد بصدقة من طيّب ولا يقبل اللّه إلاّ الطّيّب، إلاّ أخذها الرّحمن بيمينه، وإن كانت تمرةً تربو في كفّ الرّحمن حتّى تكون أعظم من الجبل كما يربّي أحدكم فلوّه أو فصيله «‏.‏

أقسام الصّدقة

7 - الصّدقة أنواع‏:‏

أ - صدقة مفروضة من جهة الشّرع على الأموال، وهي زكاة المال، وتنظر أحكامها في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

ب - صدقة على الأبدان، وتنظر أحكامها في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة الفطر‏)‏‏.‏

ج - صدقة يفرضها الشّخص على نفسه، وهي الصّدقة الواجبة بالنّذر، وتنظر أحكامها في‏:‏ ‏(‏نذر‏)‏‏.‏

د - الصّدقات المفروضة حقّاً للّه تعالى، كالفدية، والكفّارة، وتنظر أحكامها في مصطلح‏:‏ ‏(‏فدية وكفّارة‏)‏‏.‏

هـ - صدقة التّطوّع، ونبيّن أحكامها فيما يلي‏:‏

الحكم التّكليفيّ

8 - الصّدقة مسنونة، ورد النّدب إليها في كثير من آيات القرآن الكريم، وكثير من الأحاديث النّبويّة الشّريفة‏.‏

أمّا من القرآن الكريم فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏‏.‏

يقول ابن العربيّ‏:‏ جاء هذا الكلام في معرض النّدب والتّحضيض على إنفاق المال في ذات اللّه تعالى على الفقراء والمحتاجين، وفي سبيل اللّه بنصرة الدّين‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً‏}‏‏.‏

وأمّا من الأحاديث فقد روي من حديث عبد اللّه بن مسعود‏:‏ » أنّ أبا الدّحداح لمّا جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ يا نبيّ اللّه، ألا أرى ربّنا يستقرض ممّا أعطانا لأنفسنا، ولي أرضان‏:‏ أرض بالعالية وأرض بالسّافلة، وقد جعلت خيرهما صدقةً‏.‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كم عَذْق مذلّل لأبي الدّحداح في الجنّة «‏.‏

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أيّما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه اللّه يوم القيامة من ثمار الجنّة، وأيّما مؤمن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه اللّه يوم القيامة من الرّحيق المختوم، وأيّما مؤمن كسا مؤمناً على عري، كساه اللّه من خضر الجنّة «‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ الصّدقة مستحبّة، وفي شهر رمضان آكد، وكذا عند الأمور المهمّة، وعند الكسوف، وعند المرض، والسّفر، وبمكّة، والمدينة، وفي الغزو والحجّ، والأوقات الفاضلة، كعشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، ومثل ذلك ما قاله البهوتيّ وغيره من الفقهاء‏.‏

ما يتعلّق بالصّدقة من أحكام

9 - الكلام عن الصّدقة يستوجب التّطرّق للأمور التّالية‏:‏

أ - المتصدّق‏:‏ وهو، من يدفع الصّدقة ويخرجها من ماله‏.‏

ب - المتصدّق عليه‏:‏ وهو من يأخذ الصّدقة من الغير‏.‏

ج - المتصدّق به‏:‏ وهو المال الّذي يتطوّع بالتّصدّق به‏.‏

د - النّيّة‏:‏ وتفصيل ذلك فيما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ المتصدّق

10 - صدقة التّطوّع‏:‏ تبرّع، فيشترط فيها‏:‏

أ - أن يكون المتصدّق من أهل التّبرّع، أي‏:‏ عاقلاً بالغاً رشيداً، ذا ولاية في التّصرّف‏.‏

وعلى ذلك فلا تصحّ صدقة التّطوّع من الصّغير، والمجنون، والمحجور عليه بسفه أو دين أو غيرهما من أسباب الحجر، أمّا الصّغير غير المميّز فإنّه ليس من أهل التّصرّف أصلاً، كما صرّح به الفقهاء والأصوليّون‏.‏

وأمّا الصّغير المميّز‏:‏ فإنّ الصّدقة منه تعتبر من التّصرّفات الضّارّة ضرراً محضاً، وقد ذهب الفقهاء إلى أنّ التّصرّفات الضّارّة ضرراً دنيويّاً، والّتي يترتّب عليها خروج شيء من ملكه من غير مقابل، كالهبة، والصّدقة، والوقف، وسائر التّبرّعات لا تصحّ، بل تقع باطلةً، حتّى لو أذن الوليّ أو الوصيّ، لأنّ إجازتهما في التّصرّفات الضّارّة لاغية، وقد استثنى المالكيّة، والحنابلة، وصيّة الصّبيّ المميّز الّذي يعقل الوصيّة‏.‏

وأمّا المحجور عليهم للسّفه، أو الإفلاس، أو غيرهما فهم ممنوعون من التّصرّف فلا تصحّ منهم الصّدقة وهذا في الجملة، وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏حجر‏)‏‏.‏

وكما لا تصحّ صدقة التّطوّع من الصّبيّ، والمجنون، والمحجور عليه، لا تصحّ الصّدقة من أموالهم من قبل أوليائهم نيابةً عنهم، لأنّهم لا يملكون التّبرّع من أموال من تحت ولايتهم‏.‏

ب - أن يكون مالكاً للمال المتصدّق به، أو وكيلاً عنه، فلا تصحّ الصّدقة من مال الغير بلا وكالة‏.‏ ومن فعل ذلك يضمن ما تصدّق به، لأنّه ضيّع مال الغير على صاحبه بغير إذنه، يقول التّمرتاشيّ‏:‏ شرائط صحّة الهبة في الواهب‏:‏ العقل، والبلوغ، والملك‏.‏

ثمّ قال‏:‏ والصّدقة كالهبة بجامع التّبرّع ولأنّ الصّدقة من القربات فتشترط فيها النّيّة، وهي منتفية فيما إذا تصدّق من مال الغير دون إذنه‏.‏

صدقة المرأة من مال زوجها

11 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز للمرأة أن تتصدّق من بيت زوجها للسّائل وغيره بما أذن الزّوج صريحاً‏.‏

كما يجوز التّصدّق من مال الزّوج بما لم يأذن فيه، ولم ينه عنه إذا كان يسيراً عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو الرّاجح عند الحنابلة -‏.‏

ويستدلّ الفقهاء على الجواز بما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها وله مثله بما اكتسب، ولها بما أنفقت، وللخازن مثل ذلك، من غير أن ينتقص من أجورهم شيئاً « ولم يذكر إذناً‏.‏

وعن أسماء - رضي الله عنها - أنّها جاءت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا نبيّ اللّه، ليس لي شيء إلاّ ما أدخل عليّ الزّبير فهل عليّ جناح أن أرضخ ممّا يدخل عليّ‏؟‏ فقال‏:‏ » ارضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي اللّه عليك «‏.‏

ولأنّ الشّيء اليسير غير ممنوع عنه في العادة كما علّله المرغينانيّ والنّوويّ وابن العربيّ‏.‏

قال في الهداية‏:‏ يجوز للمرأة أن تتصدّق من منزل زوجها بالشّيء اليسير، كالرّغيف ونحوه، لأنّ ذلك غير ممنوع عنه في العادة ومثله ما ذكره الحصكفيّ‏.‏

ويقول النّوويّ في شرحه لصحيح مسلم‏:‏ الإذن ضربان‏:‏

أحدهما‏:‏ الإذن الصّريح في النّفقة والصّدقة، والثّاني‏:‏ الإذن المفهوم من اطّراد العرف والعادة، كإعطاء السّائل كسرة ونحوها ممّا جرت العادة به، واطّرد العرف فيه، وعلم بالعرف رضا الزّوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلّم‏.‏

ومثله ما حرّره ابن العربيّ حيث قال‏:‏ ويحتمل عندي أن يكون محمولاً على العادة‏.‏ وأنّها إذا علمت منه، أنّه لا يكره العطاء والصّدقة فعلت من ذلك ما لم يجحف، وعلى ذلك عادة النّاس، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » غير مفسدة «‏.‏

ويقول ابن قدامة‏:‏ الإذن العرفيّ يقوم مقام الإذن الحقيقيّ، فصار كأنّه قال لها‏:‏ افعلي‏.‏

هذا وفي الرّواية الثّانية عند الحنابلة‏:‏ لا يجوز للمرأة التّصدّق من مال زوجها ولو كان يسيراً، لما روى أبو أمامة الباهليّ قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏{‏لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلاّ بإذن زوجها، قيل‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ ولا الطّعام‏؟‏ قال‏:‏ ذاك أفضل أموالنا «‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ والأوّل - أي الجواز بالشّيء اليسير - أصحّ، لأنّ الأحاديث فيها خاصّة صحيحة، والخاصّ يقدّم على العامّ‏.‏

أمّا إذا منعها من الصّدقة من ماله، ولم يكن العرف جارياً بذلك، أو اضطرب العرف، أو شكّت في رضاه، أو كان شخصاً يشحّ بذلك، لم يجز للمرأة وغيرها التّصدّق من ماله إلاّ بصريح إذنه، كما حقّقه النّوويّ وغيره‏.‏

12 - وما ذكر من حكم تصدّق المرأة من مال زوجها يطبّق على تصدّق الخازن من مال المالك، فقد ورد في حديث التّرمذيّ‏:‏ » وللخازن مثل ذلك « أي‏:‏ من الأجر، أي‏:‏ إنّهما سواء في المثوبة، كلّ واحد منهما له أجر كامل، كما قال ابن العربيّ، أو معناه المشاركة في الأجر مطلقاً، لأنّ المشارك في الطّاعة مشارك في الأجر، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر، كما حقّقه النّوويّ‏.‏

تصدّق الزّوجة من مالها بأكثر من الثّلث

13 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة وهو الرّاجح عند الحنابلة - إلى أنّ المرأة البالغة الرّشيدة لها حقّ التّصرّف في مالها، بالتّبرّع، أو المعاوضة، سواء أكانت متزوّجةً، أم غير متزوّجة‏.‏

وعلى ذلك فالزّوجة لا تحتاج إلى إذن زوجها في التّصدّق من مالها ولو كان بأكثر من الثّلث والدّليل على ذلك ما ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال للنّساء‏:‏ » تصدّقن ولو من حليّكنّ، فتصدّقن من حليّهنّ « ولم يسأل ولم يستفصل، فلو كان لا ينفذ تصرّفهنّ بغير إذن أزواجهنّ لما أمرهنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالصّدقة، ولا محالة أنّه كان فيهنّ من لها زوج ومن لا زوج لها، كما حرّره السّبكيّ‏.‏

ولأنّ المرأة من أهل التّصرّف، ولا حقّ لزوجها في مالها، فلم يملك الحجر عليها في التّصرّف بجميعه، كما علّله ابن قدامة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ وهو رواية عند الحنابلة‏:‏ يحجر على الزّوجة الحرّة الرّشيدة لزوجها البالغ الرّشيد في تبرّع زاد على الثّلث، وذلك لما ورد أنّ امرأة كعب بن مالك، أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم بحليّ لها، فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا يجوز للمرأة عطيّة حتّى يأذن زوجها، فهل استأذنت كعباً‏؟‏ فقالت‏:‏ نعم، فبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى كعب، فقال‏:‏ هل أذنت لها أن تتصدّق بحليّها‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ فقبله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «‏.‏

ولأنّ المقصود من مالها التّجمّل به لزوجها، والمال مقصود في زواجها، حيث قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » تنكح المرأة لأربع‏:‏ لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها «‏.‏

والعادة أنّ الزّوج يزيد في مهرها من أجل مالها ويتبسّط فيه، وينتفع به، فتعلّق حقّ الزّوج في مالها ومحلّ الحجر عليها في تبرّعها بزائد عن الثّلث من مالها إذا كان التّبرّع لغير زوجها‏.‏ وأمّا له فلها أن تهب جميع مالها له، ولا اعتراض عليها في ذلك لأحد‏.‏

هذا، واتّفق الفقهاء على أنّ المريض مرض الموت ليس له أن يتصدّق من ماله بأكثر من الثّلث ‏(‏ر‏:‏ مرض الموت‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ المتصدّق عليه

14 - لا يشترط في المتصدّق عليه ما يشترط في المتصدّق، من العقل، والبلوغ، والرّشد، وأهليّة التّبرّع، فيصحّ التّصدّق على الصّغير، والمجنون، والمحجور عليه بسفه، أو إفلاس أو غيرهما، لأنّ الصّدقة عليهم نفع محض لهم، فلا تحتاج إلى إذن الأولياء‏.‏

وحيث إنّ الصّدقة تمليك بلا عوض لثواب الآخرة، فهناك أشخاص لا تصحّ عليهم الصّدقة، وآخرون تصحّ عليهم، وقد فصّل الفقهاء هذا الموضوع كالتّالي‏:‏

أ - الصّدقة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

15 - يرى جمهور الفقهاء من المالكيّة، وهو الأظهر عند الشّافعيّة، والصّحيح عند الحنابلة‏:‏ أنّ صدقة التّطوّع كانت محرّمةً على النّبيّ صلى الله عليه وسلم مثل صدقة الفريضة المتّفق على حرمتها، وذلك صيانةً لمنصبه الشّريف وقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ » كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه، فإن قيل‏:‏ صدقة قال لأصحابه‏:‏ كلوا، ولم يأكل، وإن قيل له‏:‏ هديّة ضرب بيده فأكل معهم «‏.‏

وعلى ذلك‏:‏ فالصّدقة بالمعنى المعروف كانت محرّمةً على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد أبدل اللّه تعالى رسوله بها الفيء الّذي يؤخذ على سبيل الغلبة والقهر المبنيّ على عزّ الآخذ، وذلّ المأخوذ منه‏.‏

ب - الصّدقة على آل النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

16 - اتّفق الفقهاء‏:‏ على عدم جواز صدقة الفريضة على آل محمّد صلى الله عليه وسلم، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ » إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس «‏.‏

أمّا صدقة التّطوّع، فالجمهور على جوازها عليهم‏.‏ والبعض يقولون‏:‏ بعدم الجواز‏.‏

وتفصيل الموضوع ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏آل ف 4 و 10‏)‏‏.‏

ج - التّصدّق على ذوي القرابة والأزواج‏:‏

17 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز التّصدّق على الأقرباء، والأزواج صدقة التّطوّع، بل صرّح بعضهم‏:‏ بأنّه يسنّ التّصدّق عليهم، ولهم أخذها، ولو كانوا ممّن تجب نفقته على المتصدّق، فعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إذا أنفق الرّجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة «‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الصّدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرّحم ثنتان‏:‏ صدقة وصلة «‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ دفع الصّدقة لقريب أقرب فأقرب رحماً ولو كان ممّن تجب عليه نفقته أفضل من دفعها لغير القريب، وللقريب غير الأقرب للحديث المتقدّم، ولخبر الصّحيحين‏:‏ » أنّ امرأتين أتيتا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالتا لبلال‏:‏ سل لنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هل يجزئ أن نتصدّق على أزواجنا ويتامى في حجورنا‏؟‏ فقال‏:‏ نعم لهما أجران‏:‏ أجر القرابة، وأجر الصّدقة «‏.‏

هذا وقد رتّب الشّافعيّة من يفضّل عليهم الصّدقة فقالوا‏:‏ هي في الأقرب فالأقرب، وفي الأشدّ منهم عداوةً أفضل منها في غيره، وذلك ليتألّف قلبه، ولما فيه من مجانبة الرّياء وكسر النّفس، وألحق بهم الأزواج من الذّكور والإناث، ثمّ الرّحم غير المحرم، كأولاد العمّ والخال‏.‏

ثمّ في الأقرب فالأقرب رضاعاً، ثمّ مصاهرةً، ثمّ ولاءً، ثمّ جواراً، وقدّم الجار الأجنبيّ على قريب بعيد عن دار المتصدّق، بحيث لا تنقل إليه الزّكاة، ولو كان ببادية‏.‏

ومثله ما عند الحنابلة‏.‏

د - التّصدّق على الفقراء والأغنياء‏:‏

18 - الأصل أنّ الصّدقة تعطى للفقراء والمحتاجين، وهذا هو الأفضل، كما صرّح به الفقهاء‏.‏ وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْمِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ‏}‏‏.‏

واتّفقوا على أنّها تحلّ للغنيّ، لأنّ صدقة التّطوّع كالهبة فتصحّ للغنيّ والفقير‏.‏

قال السّرخسيّ‏:‏ ثمّ التّصدّق على الغنيّ يكون قربةً يستحقّ بها الثّواب، فقد يكون غنيّاً يملك النّصاب، وله عيال كثيرة، والنّاس يتصدّقون على مثل هذا لنيل الثّواب‏.‏

لكن يستحبّ للغنيّ التّنزّه عنها، ويكره له التّعرّض لأخذها، لأنّ اللّه تعالى مدح المتعفّفين عن السّؤال مع وجود حاجتهم، فقال‏:‏ ‏{‏يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ‏}‏‏.‏

ويكره له أخذها وإن لم يتعرّض لها‏.‏

ويحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة، كما يحرم أن يسأل، ويستوي في ذلك الغنيّ بالمال، والغنيّ بالكسب، لحديث‏:‏ » من سأل النّاس أموالهم تكثّراً فإنّما يسأل جمراً، فليستقلّ أو ليستكثر « أي‏:‏ يعذّب به يوم القيامة‏.‏

لكن نقل الرّمليّ عن ابن عبد السّلام أنّ الصّحيح من مذهب الشّافعيّ‏:‏ جواز طلبها للغنيّ، ويحمل الذّمّ الوارد في الأخبار على الطّلب من الزّكاة الواجبة‏.‏

هـ – الصّدقة على الكافر‏:‏

19 – اختلف الفقهاء في جواز صدقة التّطوّع على الكافر، وسبب الخلاف‏:‏ هو أنّ الصّدقة تمليك لأجل الثّواب، وهل يثاب الشّخص بالإنفاق على الكفّار‏؟‏‏.‏

فقال الحنابلة‏:‏ وهو المشهور عند الشّافعيّة، والمنقول عن محمّد في السّير الكبير‏:‏ إنّه يجوز دفع صدقة التّطوّع للكفّار مطلقاً، سواء أكانوا من أهل الذّمّة أم من الحربيّين‏؟‏ مستأمنين أم غير مستأمنين، وذلك لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً‏}‏‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ ولم يكن الأسير يومئذ إلاّ كافراً‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » في كلّ كبد رطبة أجر «‏.‏

وقد ورد في حديث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت‏:‏ » قدمت عليّ أمّي وهي مشركة في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قلت‏:‏ إنّ أمّي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمّي‏؟‏ قال‏:‏ نعم، صلي أمّك «‏.‏

ولأنّ صلة الرّحم محمودة في كلّ دين، والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق‏.‏

وفرّق الحصكفيّ في الدّرّ بين الذّمّيّ وغيره فقال‏:‏ وجاز دفع غير الزّكاة وغير العشر والخراج إلى الذّمّيّ - ولو واجباً - كنذر وكفّارة وفطرة خلافاً لأبي يوسف‏.‏

وأمّا الحربيّ ولو مستأمناً فجميع الصّدقات لا تجوز له‏.‏

ويقرب منه ما ذكره الشّربينيّ من الشّافعيّة حيث قال‏:‏ قضيّة إطلاق حلّ الصّدقة للكافر، أنّه لا فرق بين الحربيّ وغيره، وهو ما في البيان عن الصّيمريّ والأوجه ما قاله الأذرعيّ من أنّ‏:‏ هذا فيمن له عهد، أو ذمّة أو قرابة أو يرجى إسلامه، أو كان بأيدينا بأسر ونحوه‏.‏ فإن كان حربيّاً ليس فيه شيء ممّا ذكر فلا‏.‏

ثالثاً‏:‏ المتصدّق به

20 - المتصدّق به هو‏:‏ المال الّذي يعطى للفقير وذي الحاجة، وحيث إنّ الصّدقة تمليك بلا عوض لأجل ثواب الآخرة، فينبغي في المال المتصدّق به أن يكون من الحلال الطّيّب، ولا يكون من الحرام أو ممّا فيه شبهة، كما ينبغي أن يكون المتصدّق به مالاً جيّداً، لا رديئاً، حتّى يحصل على خير البرّ وجزيل الثّواب‏.‏

وقد بحث الفقهاء هذه الأحكام، وحكم التّصدّق من الأموال الرّديئة والحرام كالتّالي‏:‏

التّصدّق بالمال الحلال والحرام والمال المشتبه فيه

21 - لقد حثّ الإسلام أن تكون الصّدقة من المال الحلال والطّيّب، وأن تكون ممّا يحبّه المتصدّق‏.‏

فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ما تصدّق أحد بصدقة من طيّب، ولا يقبل اللّه إلاّ الطّيّب، إلاّ أخذها الرّحمن بيمينه، وإن كانت تمرةً فتربو في كفّ الرّحمن حتّى تكون أعظم من الجبل، كما يربّي أحدكم فلوّه أو فصيله « والمراد بالطّيّب هنا الحلال، كما قال النّوويّ‏.‏

وعنه أيضاً‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أيّها النّاس إنّ اللّه طيّب لا يقبل إلاّ طيّبًا، وإنّ اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ‏}‏ ثمّ ذكر الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذّي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك‏}‏‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ وهذا الحديث أحد الأحاديث الّتي هي من قواعد الإسلام ومباني الأحكام‏.‏‏.‏‏.‏ وفيه الحثّ على الإنفاق من الحلال، والنّهي عن الإنفاق من غيره‏.‏ وفيه أنّ المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شبهة فيه‏.‏

وحذّر الحسينيّ في كفاية الأخيار من أخذ مال فيه شبهة للتّصدّق به، ونقل عن ابن عمر قوله‏:‏ لأن أردّ درهماً من حرام أحبّ إليّ أن أتصدّق بمائة ألف درهم ثمّ بمائة ألف درهم حتّى بلغ ستّمائة ألف‏.‏

وعلى هذا فيستحبّ أن يختار الرّجل أحلّ ماله، وأبعده عن الحرام والشّبهة فيتصدّق به، كما حرّره النّوويّ‏.‏

وإذا كان في عهدة المكلّف مال حرام، فإن علم أصحابه وجب ردّه إليهم، وإن لم يعلم أصحابه يتصدّق به‏.‏

أمّا الآخذ أي‏:‏ المتصدّق عليه فإن عرف أنّ المال المتصدّق به من النّجس أو الحرام كالغصب، أو السّرقة، أو الغدر، فيستحبّ له أن لا يأخذه ولا يأكل منه‏.‏ ومع ذلك فقد أجاز أكثر الفقهاء أخذه له مع الكراهة‏.‏

يقول ابن عابدين‏:‏ إذا كان عليه ديون ومظالم لا يعرف أربابها، وأيس من معرفتهم، فعليه التّصدّق بقدرها من ماله، وإن استغرقت جميع ماله‏.‏

وقال ابن الهمام‏:‏ يؤمر بالتّصدّق بالأموال الّتي حصلت بالغدر، كالمال المغصوب‏.‏

قال الجمل من الشّافعيّة‏:‏ لو تصدّق أو وهب أو أوصى بالنّجس صحّ على معنى نقل اليد، لا التّمليك‏.‏

وصرّح الحنابلة‏:‏ بأنّ من بيده نحو غصوب، أو رهون، أو أمانات، لا يعرف أربابها، وأيس من معرفتهم، فله الصّدقة بها منهم، أي‏:‏ من قبلهم‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ يجب عليه التّصدّق‏.‏ وكذلك الحكم في الدّيون الّتي جهل أربابها عند الحنابلة‏.‏

أمّا الأموال الّتي فيها شبهة فالأولى الابتعاد عنها، ولهذا قال النّوويّ في التّصدّق بما فيه شبهة‏:‏ إنّه مكروه‏.‏

قد ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشبّهات لا يعلمها كثير من النّاس، فمن اتّقى المشبّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه «‏.‏

التّصدّق بالجيّد والرّديء

22 - يستحبّ في الصّدقة أن يكون المتصدّق به أي‏:‏ المال المعطى من أجود مال المتصدّق وأحبّه إليه، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ والمعنى لن تكونوا أبراراً حتّى تنفقوا ممّا تحبّون، أي‏:‏ نفائس الأموال وكرائمها، وكان السّلف - رضي الله عنهم - إذا أحبّوا شيئاً جعلوه للّه تعالى‏.‏

فقد ورد في حديث متّفق عليه‏:‏ » أنّ أبا طلحة كان أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، قال أنس - راوي الحديث - فلمّا أنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ‏}‏ قام أبو طلحة إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول‏:‏ ‏{‏لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ‏}‏ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة للّه، أرجو برّها وذخرها عند اللّه فضعها يا رسول اللّه حيث أراك اللّه قال‏:‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ بخ ذلك مال رابح «‏.‏

وكان عمر بن عبد العزيز يشتري أعدالاً من سكّر ويتصدّق بها، فقيل له‏:‏ هلاّ تصدّقت بقيمتها‏؟‏ قال‏:‏ لأنّ السّكّر أحبّ إليّ فأردت أن أنفق ممّا أحبّ‏.‏

والمراد بالآية حصول كثرة الثّواب بالتّصدّق ممّا يحبّه‏.‏ ولا يلزم أن يكون المال المتصدّق به كثيراً، ويستحبّ التّصدّق ولو بشيء نزر، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ‏}‏ وفي الحديث الصّحيح‏:‏ » اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة «‏.‏

ونهى اللّه سبحانه وتعالى عن التّصدّق بالرّديء من المال، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ لا تتصدّقوا بالصّدقة من المال الخبيث، ولا تفعلوا مع اللّه ما لا ترضونه لأنفسكم‏.‏

ورجّح ابن العربيّ‏:‏ أنّ الآية في صدقة التّطوّع حيث قال‏:‏ لو كانت في الفريضة لما قال‏:‏ ‏{‏وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ‏}‏ لأنّ الرّديء والخبيث لا يجوز أخذه في الفرض بحال، لا مع تقدير الإغماض ولا مع عدمه، وإنّما يؤخذ مع عدم الإغماض في النّفل‏.‏

وقال القرطبيّ‏:‏ والظّاهر من قول براء، والحسن، وقتادة، أنّ الآية في التّطوّع، ندبوا إليه أن لا يتطوّعوا إلاّ بممتاز جيّد وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم في رجل علّق قنو حشف في المسجد‏:‏ » لو شاء ربّ هذه الصّدقة تصدّق بأطيب منها «‏.‏

وقال‏:‏ » إنّ ربّ هذه الصّدقة يأكل الحشف يوم القيامة «‏.‏

التّصدّق بكلّ ماله

23 - يستحبّ أن تكون الصّدقة بفاضل عن كفايته، وكفاية من يمونه، وإن تصدّق بما ينقص مؤنة من يمونه أثم‏.‏ ومن أراد التّصرّف بماله كلّه، وهو يعلم من نفسه حسن التّوكّل والصّبر عن المسألة فله ذلك، وإلاّ فلا يجوز‏.‏

ويكره لمن لا صبر له على الضّيق أن ينقص نفقة نفسه عن الكفاية التّامّة‏.‏

وهذا ما صرّح به فقهاء الحنفيّة وقال المالكيّة‏:‏ إنّ الإنسان ما دام صحيحاً رشيداً له التّبرّع بجميع ماله على كلّ من أحبّ‏.‏

قال في الرّسالة‏:‏ ولا بأس أن يتصدّق على الفقراء بماله كلّه للّه‏.‏

لكن قال النّفراويّ‏:‏ محلّ ندب التّصدّق بجميع المال أن يكون المتصدّق طيّب النّفس بعد الصّدقة بجميع ماله، لا يندم على البقاء بلا مال‏.‏ وأنّ ما يرجوه في المستقبل مماثل لما تصدّق به في الحال، وأن لا يكون يحتاج إليه في المستقبل لنفسه، أو لمن تلزمه نفقته، أو يندب الإنفاق عليه، وإلاّ لم يندب له ذلك بل يحرم عليه إن تحقّق الحاجة لمن تلزمه نفقته، أو يكره إن تيقّن الحاجة لمن يندب الإنفاق عليه، لأنّ الأفضل أن يتصدّق بما يفضل عن حاجته ومؤنته، ومؤنة من ينفق عليه‏.‏

ويقول ابن قدامة‏:‏ الأولى أن يتصدّق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدّوام لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ » خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنىً، وابدأ بمن تعول « ولأنّ نفقة من يمونه واجبة والتّطوّع نافلة، وتقديم النّفل على الفرض غير جائز‏.‏

فإن كان الرّجل لا عيال له، فأراد الصّدقة بجميع ماله وكان ذا مكسب، أو كان واثقاً من نفسه يحسن التّوكّل والصّبر على الفقر والتّعفّف عن المسألة فحسن، وروي عن عمر - رضي الله عنه - قال‏:‏ » أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نتصدّق فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت‏:‏ اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أبقيت لأهلك‏؟‏ قلت‏:‏ مثله‏.‏ قال‏:‏ وأتى أبو بكر بكلّ ما عنده فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أبقيت لأهلك‏؟‏ قال‏:‏ أبقيت لهم اللّه ورسوله، فقلت لا أسابقك إلى شيء بعده أبداً «‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ فهذا كان فضيلةً في حقّ أبي بكر الصّدّيق - رضي الله عنه - لقوّة يقينه، وكمال إيمانه، وكان أيضاً تاجراً ذا مكسب، فإن لم يوجد في المتصدّق أحد هذين كره له التّصدّق بجميع ماله‏.‏

فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » يأتي أحدكم بما يملك، ويقول هذه صدقة، ثمّ يقعد يستكفّ النّاس، خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنىً «، ولأنّ الإنسان إذا أخرج جميع ماله لا يأمن فتنة الفقر، وشدّة نزاع النّفس إلى ما خرج منه فيندم، فيذهب ماله، ويبطل أجره، ويصير كلاً على النّاس‏.‏

واتّفق قول الشّافعيّة مع سائر الفقهاء في‏:‏ أنّ ما يحتاج إليه لعياله ودينه لا يجوز له أن يتصدّق به، وإن فضل عن ذلك شيء، فهل يستحبّ أن يتصدّق بجميع الفاضل‏؟‏ فيه عندهم أوجه، أصحّها‏:‏ إن صبر على الضّيق فنعم، وإلاّ فلا بل يكره ذلك، قالوا‏:‏ وعليه تحمل الأخبار المختلفة الظّاهر‏.‏

رابعاً‏:‏ النّيّة

24 - الصّدقة قربة، لأنّها تمليك بلا عوض، لأجل ثواب الآخرة، فلا بدّ فيها من النّيّة، وقد ورد في الحديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » إنّما الأعمال بالنّيّات « ويستحبّ في الصّدقة أن ينوي المتصدّق ثوابها لجميع المؤمنين والمؤمنات‏.‏

وقد ذكر بعض الفقهاء أنّ كلّ من أتى بعبادة ما سواء أكانت صلاةً أم صوماً أم صدقةً أم قراءةً، له أن يجعل ثوابه لغيره وإن نواها لنفسه‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ والأفضل لمن يتصدّق نفلاً أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات، لأنّها تصل إليهم، ولا ينقص من أجره شيء‏.‏

وتفصيل أحكام النّيّة في مصطلح‏:‏ ‏(‏نيّة‏)‏‏.‏

إخفاء صدقة التّطوّع

25 - الأفضل في صدقة التّطوّع أن تكون سرّاً، وهذا عند أكثر الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، وإن كانت تصحّ ويثاب عليها في العلن، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏‏.‏

وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً‏:‏ » سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه « وذكر منهم » رجلاً تصدّق أخفى حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه «‏.‏

ولما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، وصدقة السّرّ تطفئ غضب الرّبّ، وصلة الرّحم تزيد في العمر «‏.‏

ولأنّ الإسرار بالتّطوّع يخلو عن الرّياء والمنّ، وإعطاء الصّدقة سرّاً يراد به رضا اللّه سبحانه وتعالى وحده‏.‏

ونقل عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قوله‏:‏ صدقة السّرّ في التّطوّع أفضل من صدقة العلانية بسبعين ضعفاً‏.‏

قال ابن العربيّ‏:‏ والتّحقيق فيه أنّ الحال في الصّدقة يختلف بحال المعطي لها والمعطى إيّاها والنّاس الشّاهدين لها‏.‏

أمّا المعطي فله فائدة إظهار السّنّة وثواب القدوة، وآفتها الرّياء، والمنّ، والأذى‏.‏

وأمّا المعطى إيّاها فإنّ السّرّ أسلم له من احتقار النّاس له، أو نسبته إلى أنّه أخذها مع الغنى وترك التّعفّف‏.‏

وأمّا حال النّاس فالسّرّ عنهم أفضل من العلانية لهم، من جهة أنّهم ربّما طعنوا على المعطي لها بالرّياء، وعلى الآخذ لها بالاستغناء، ولهم فيها تحريك القلوب إلى الصّدقة‏.‏ لكنّ هذا اليوم قليل ويقول الخطيب‏:‏ إن كان المتصدّق ممّن يقتدى به، وأظهرها ليقتدى به من غير رياء ولا سمعة، فهو أفضل‏.‏

أمّا صدقة الفرض فلا خلاف أنّ إظهارها أفضل كصلاة الفرض وسائر الفرائض‏.‏

ترك المنّ والأذى

26 - يحرم المنّ والأذى بالصّدقة، ويبطل الثّواب بذلك، فقد نهى اللّه تعالى عن المنّ والأذى، وجعلهما مبطلين للصّدقات حيث قال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ‏}‏‏.‏

وحثّ سبحانه وتعالى المنفقين في سبيل اللّه بعدم إتباع ما أنفقوا منّاً ولا أذىً فقال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذىً لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏‏.‏

ولا خلاف بين الفقهاء، في أنّ المنّ والأذى في الصّدقة حرام يبطل الثّواب‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ عبّر تعالى عن عدم القبول وحرمان الثّواب بالإبطال‏.‏

وقال الشّربينيّ‏:‏ المنّ بالصّدقة حرام مبطل للأجر للآية السّابقة، ولخبر مسلم‏:‏ » ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم، ولهم عذاب أليم‏.‏ قال‏:‏ فقرأها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار‏.‏ قال أبو ذرّ‏:‏ خابوا وخسروا، من هم يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ المسبل، والمنّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب «‏.‏

وجعله البهوتيّ من الكبائر فقال‏:‏ ويحرم المنّ بالصّدقة وغيرها، وهو من الكبيرة ويبطل الثّواب بذلك‏.‏

وهل تبطل المعصية الطّاعة‏؟‏ فيه خلاف‏.‏ قال القرطبيّ‏:‏ العقيدة أنّ السّيّئات لا تبطل الحسنات، ولا تحبطها‏.‏ فالمنّ والأذى في صدقة لا يبطل صدقةً أخرى

التّصدّق في المسجد

27 - اختلف الفقهاء في حكم التّصدّق في المسجد، وأكثرهم على جوازه مع الكراهة، وبعضهم بيّنوا له شروطاً لا يجوز بغيرها‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ لا يحلّ أن يسأل شيئاً من له قوت يومه بالفعل أو بالقوّة، كالصّحيح المكتسب، ويأثم معطيه إن علم بحاله، لأنّه أعانه على المحرّم، والمختار أنّ السّائل إذا كان لا يمرّ بين يدي المصلّي، ولا يتخطّى الرّقاب، ولا يسأل إلحافاً، بل لأمر لا بدّ منه، فلا بأس بالسّؤال والإعطاء‏.‏ ثمّ قال نقلاً عن البزّازيّة‏:‏ ولا يجوز الإعطاء إذا لم يكونوا على تلك الصّفة‏.‏

وما نقله القرطبيّ عن البراء بن عازب من تعليق رجل قنو حشف في المسجد يدلّ كذلك على مطلق الجواز، وإن كان لم يعتبر من الطّيّبات كما يدلّ على الجواز أيضاً ما رواه أبو داود عن عبد الرّحمن بن أبي بكر قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا‏؟‏ فقال أبو بكر‏:‏ دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرّحمن فأخذتها فدفعتها إليه «‏.‏

ويقول البهوتيّ‏:‏ يكره سؤال الصّدقة في المسجد، والتّصدّق عليه، لأنّه إعانة على المكروه، ثمّ يقول‏:‏ ولا يكره التّصدّق على غير السّائل ولا على من سأل له الخطيب‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏مسجد‏)‏

الأحوال والأماكن الّتي تفضّل فيها الصّدقة

28 - ذكر الفقهاء الحالات والأماكن الّتي تفضّل فيها الصّدقة، ويكون أجرها أكثر من غيرها، ومن هذه الحالات والأماكن ما يأتي‏:‏

قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ دفع صدقة التّطوّع في رمضان أفضل من دفعها في غيره، لما رواه التّرمذيّ عن أنس - رضي الله عنه -‏:‏ » سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أيّ الصّدقة أفضل‏؟‏ قال‏:‏ صدقة في رمضان «‏.‏ ولأنّ الفقراء فيه يضعفون ويعجزون عن الكسب بسبب الصّوم‏.‏

وتتأكّد في الأيّام الفاضلة كعشر ذي الحجّة، وأيّام العيد، وكذا في الأماكن الشّريفة، كمكّة والمدينة، وفي الغزو، والحجّ، وعند الأمور المهمّة، كالكسوف والمرض والسّفر‏.‏

ثمّ نقل عن الأذرعيّ قوله‏:‏ ولا يفهم من هذا أنّ من أراد التّطوّع بصدقة، أو برّ في رجب، أو شعبان مثلاً، أنّ الأفضل له أن يؤخّره إلى رمضان أو غيره من الأوقات الفاضلة، بل المسارعة إلى الصّدقة أفضل بلا شكّ، وإنّما المراد أنّ التّصدّق في رمضان وغيره من الأيّام الفاضلة أعظم أجراً ممّا يقع في غيرها‏.‏

وزاد الحنابلة فقالوا‏:‏ وفي أوقات الحاجة أفضل منها في غيرها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ‏}‏‏.‏

وعلّل الحنابلة فضل الصّدقة في رمضان بأنّ الحسنات تضاعف فيه، ولأنّ فيه إعانةً على أداء الصّوم المفروض، ومن فطّر صائماً كان له أجر مثله‏.‏

ويستحبّ استحباباً مؤكّداً، التّوسيع على العيال، والإحسان إلى الأقارب والجيران في شهر رمضان - لا سيّما في عشرة آخره، لأنّ فيه ليلة القدر، فهو أفضل ممّا عداه من الأيّام الأخرى

الرّجوع في الصّدقة

29 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يصحّ للمتصدّق أن يرجع في صدقته، لأنّ المقصود بالصّدقة الثّواب، وقد حصل، وإنّما الرّجوع يكون عند تمكّن الخلل فيما هو المقصود كما يقول السّرخسيّ‏.‏

ويستوي أن تكون الصّدقة على غنيّ أو فقير في أن لا رجوع فيها، كما صرّح به فقهاء الحنفيّة‏.‏

وعمّم المالكيّة الحكم فقالوا‏:‏ كلّ ما يكون لثواب الآخرة لا رجوع فيها، ولو من والد لولده لكنّهم قالوا‏:‏ للوالد أن يعتصر ما وهبه لابنه وذلك بشروط تذكر في‏:‏ ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

ونصوص الشّافعيّة والحنابلة تتّفق مع سائر الفقهاء في عدم صحّة رجوع المتصدّق في صدقته أمّا الرّجوع في الهبة فتذكر أحكامها في مصطلح‏:‏ ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

صدقة الفطر

انظر‏:‏ زكاة الفطر

صَدِيد

التّعريف

1 - في اللّغة‏:‏ صديد الجرح‏:‏ ماؤه الرّقيق المختلط بالدّم قبل أن يغلظ فإن غلظ سمّي مِدّةً - بكسر الميم -‏.‏

والصّديد في القرآن‏:‏ ما يسيل من جلود أهل النّار‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

القيح‏:‏

2 - القيح‏:‏ المدّة الخالصة الّتي لا يخالطها دم‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالصّديد

حكمه من حيث النّجاسة والطّهارة

3 - ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ إلى أنّ الصّديد نجس كالدّم، لأنّه من الخبائث، والطّباع السّليمة تستخبثه‏.‏

انتقاض الوضوء به

4 - اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بخروج الصّديد من الجرح، فعند المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ لا ينتقض الوضوء بخروج الصّديد من الجرح، لأنّ النّجاسة الّتي تنقض الوضوء عندهم هي‏:‏ ما خرجت من السّبيلين فقط، أمّا ما يخرج من غير ذلك فلا ينقض الوضوء‏.‏

واستدلّوا بما ورد‏:‏ » أنّ رجلين من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين في غزوة ذات الرّقاع، فقام أحدهما يصلّي، فرماه رجل من الكفّار بسهم فنزعه وصلّى ودمه يجري، وعلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم به ولم ينكره «‏.‏

وعند الحنفيّة‏:‏ ينتقض الوضوء بخروج النّجس من الآدميّ الحيّ، سواء كان من السّبيلين أو من غير السّبيلين، لحديث أبي أمامة الباهليّ - رضي الله عنه - أنّه قال‏:‏ » دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على صفيّة فقرّبت له عرقاً فأكل فأتى المؤذّن فقال‏:‏ الوضوء الوضوء، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّما علينا الوضوء فيما يخرج وليس علينا فيما يدخل «، علّق الحكم بكلّ ما يخرج، أو بمطلق الخارج من غير اعتبار المخرج، إلاّ أنّ خروج الطّاهر ليس بمراد فبقي خروج النّجس مراداً‏.‏

وعن عائشة - رضي الله عنها - أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏من أصابه قيء، أو رعاف، أو قلس، أو مذي، فلينصرف فليتوضّأ، ثمّ ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلّم «، والحديث حجّة في وجوب الوضوء بخروج النّجس من غير السّبيلين‏.‏

وعنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال لفاطمة بنت أبي حبيش لمّا استحيضت‏:‏ » توضّئي فإنّه دم عرق انفجر «، أمرها بالوضوء وعلّل بانفجار دم العرق لا بالمرور على المخرج، وعن تميم الدّاريّ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » الوضوء من كلّ دم سائل «‏.‏

والأخبار في هذا الباب وردت مورد الاستفاضة، حتّى ورد عن الصّحابة أنّهم قالوا مثل ذلك، منهم عمر، وعثمان، وعليّ، وابن مسعود، وابن عبّاس‏.‏

5- وعلى ذلك إن سال الصّديد على رأس الجرح والقرح ينتقض الوضوء لوجود الحدث وخروج النّجس، وهو انتقال النّجس من الباطن إلى الظّاهر، لكنّه لا ينقض إلاّ إذا سال وهذا عند أبي حنيفة وصاحبيه، فلو ظهر الصّديد على رأس الجرح ولم يسل لم يكن حدثاً، لأنّه إذا لم يسل كان في محلّه إلاّ أنّه كان مستتراً بالجلدة، وانشقاقها يوجب زوال السّترة لا زوال الصّديد عن محلّه، ولا حكم للنّجس ما دام في محلّه، فإذا سال عن رأس الجرح فقد انتقل عن محلّه فيعطى له حكم النّجاسة‏.‏

وعند زفر‏:‏ ينتقض الوضوء سواء سال عن محلّه أم لم يسل، لأنّ الحدث الحقيقيّ عنده هو ظهور النّجس من الآدميّ الحيّ، وقد ظهر، ولأنّ ظهور النّجس اعتبر حدثاً في السّبيلين، سال عن رأس المخرج أو لم يسل، فكذا في غير السّبيلين‏.‏

6- والحنابلة كالحنفيّة في أنّ الأصل انتقاض الوضوء بخروج النّجس من البدن، سواء كان من السّبيلين أم من غير السّبيلين، واستدلّوا بما استدلّ به الحنفيّة، إلاّ أنّ الّذي ينقض عندهم هو الكثير من ذلك دون اليسير، قال القاضي‏:‏ اليسير لا ينقض روايةً واحدةً وهو المشهور عن الصّحابة - رضي الله عنهم، قال ابن عبّاس في الدّم‏:‏ إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة، وابن أبي أوفى بزق دماً ثمّ قام فصلّى، وابن عمر عصر بثرةً فخرج دم وصلّى ولم يتوضّأ، قال أحمد‏:‏ عدّة من الصّحابة تكلّموا فيه‏.‏

وحدّ الكثير الّذي ينقض الوضوء في نصّ أحمد‏:‏ هو ما فحش في نفس كلّ أحد بحسبه، واحتجّ بقول ابن عبّاس‏:‏ الفاحش ما فحش في قلبك، قال الخلال‏:‏ إنّه الّذي استقرّ عليه قوله، قال في الشّرح‏:‏ لأنّ اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيره فيه حرج فيكون منفيّاً، وقال ابن عقيل‏:‏ إنّما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط النّاس، ولو استخرج كثيره بقطنة نقض أيضاً، لأنّ الفرق بين ما خرج بنفسه أو بمعالجة لا أثر له في نقض الوضوء وعدمه، وقد نقل عن أحمد أنّه سئل‏:‏ كم الكثير‏؟‏ فقال‏:‏ شبر في شبر، وفي موضع قال‏:‏ قدر الكفّ فاحش، وفي موضع قال‏:‏ الّذي يوجب الوضوء من ذلك إذا كان مقدار ما يرفعه الإنسان بأصابعه الخمس من القيح والصّديد والقيء فلا بأس به، فقيل له‏:‏ إن كان مقدار عشرة أصابع‏؟‏ فرآه كثيراً‏.‏

صلاة من تنجّس ثوبه أو بدنه بالصّديد

7 - من المقرّر أنّ من شروط الصّلاة‏:‏ طهارة الثّوب، والبدن، والمكان من النّجاسة، فإذا أصاب البدن أو الثّوب شيء من الصّديد فإنّه في الجملة يعفى عن اليسير وتجوز الصّلاة به، لأنّ الإنسان غالباً لا يسلم من مثل هذا، ولأنّه يشقّ التّحرّز منه، وهذا باتّفاق الفقهاء‏.‏

8- لكنّهم اختلفوا في قدر اليسير المعفوّ عنه فهو عند الحنفيّة غير زفر قدر الدّرهم وما دونه، فإن زاد لم تجز الصّلاة به، وقال زفر‏:‏ لا يعفى عنه، لأنّ قليل النّجاسة وكثيرها سواء‏.‏

وكذلك عند المالكيّة يعفى عمّا دون الدّرهم، أمّا قدر الدّرهم فقد قيل‏:‏ إنّه من الكثير وقيل‏:‏ إنّه من القليل‏.‏

وعند الشّافعيّة قيل‏:‏ يعفى عن القليل والكثير على الرّاجح ما لم يكن بفعله، لأنّ الإنسان لا يخلو منها غالباً، فلو وجب الغسل في كلّ مرّة لشقّ عليه ذلك، أمّا ما خرج منها بفعله فيعفى عن قليله فقط، وقيل‏:‏ يعفى عن اليسير فقط، وهو القدر الّذي يتعافاه النّاس في العادة، وعند الحنابلة‏:‏ اليسير المعفوّ عنه هو الّذي لم ينقض الوضوء، أي‏:‏ ما لا يفحش في النّفس‏.‏

صَدِيق

انظر‏:‏ صداقة

صرافة

انظر‏:‏ صرف

صُرَد

انظر‏:‏ أطعمة

صَرَع

انظر‏:‏ جنون